قضاء الحوائج: الإيمان يدفع الفرد إلى خدمة إخوانه بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، قال الإمام الصادق عليه السلام (المؤمنون خدم لبعض - ولما قيل له - وكيف يكونون خدماً بعضهم لبعض ؟ قال عليه السلام: يفيد بعضهم بعضاً)...
فالأخوة تؤتي ثمارها الطيبة من خلال دفع الفرد لقضاء حوائج اخوانه المؤمنين، ومن الملفت للانتباه في هذا السياق أن ثواب العمل الإجتماعي المتأتي عن هذه السبيل، يفوق أضعافاً مضاعفة العمل العبادي المتأتي عن العتق أو الجهاد وما إلى ذلك. فقد ورد عن أبي عبدالله عليه السلام (قضاء حاجة المؤمن خيرٌ من عتق ألف رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله).
كما أن قضاء الحوائج أحب إليه عليه السلام من الحج، عن صفوان الجمّال قال: كنت جالساً مع ابي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل مكة يقال له: ميمون فشكا إليه تعذّر الكراء عليه. فقال لي قم فأعن أخاك، فقمت معه فيسّر الله كراه، فرجعت إلى مجلسي فقال: أبو عبد الله عليه السلام: (ما صنعت في حاجة أخيك ؟ فقلت: قضاها الله بأبي وأمي فقال: اما إنك أن تعين أخاك المسلم أحب إليَّ من طواف اسبوع بالبيت)...
وقد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ما هو صريح بمضاعفة ثواب
قضاء الحوائج ________________________________4
من يمشي في قضاء حاجة أخيه المؤمن، فعن الإمام الصادق عليه السلام: (ما من مؤمن يمشي لأخيه المؤمن في حاجة إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوة حسنة، وحط عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، وزيد ذلك عشر حسنات وشفع في عشر درجات)) كما جاء عنه أيضاً: (من قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة)).
وعنه عليه السلام: (... الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه).
وكان أهل البيت عليهم السلام يعيبون على الذين لا يتحسسون حوائج إخوانهم ولا يشعرون بمعاناتهم، عن الحسن بن كثير قال: (بئس الأخ أخٍ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً، ثم أخرج كيساً فيه سبعمائة درهم وقال: استنفق هذه فإذا نفذت فاعلمني).
وهكذا نجد أن مسألة الأخوة وما تتطلبه من تعاون وتضامن تتصدر سلم الأولوية في اهتمامات الأئمة عليهم السلام وتوجهاتهم الاجتماعية لكونها الضمان الوحيد والطريق الأمثل لإقامة بناء اجتماعي متماسك. لذلك حثوا شيعتهم على تحقيق أعلى درجة من التعاون والتضامن، وفي ذلك يقول الإمام الباقر عليه السلام لأحد أصحابه: (يا إسماعيل أرأيت فيما قبلكم إذا كان
قضاء الحوائج ________________________________5
الرجل ليس له رداء يطرحه عليه حتى يصيب رداء، فقلت: لا، قال: فإذا كان له إزار يرسل إلى بعض اخوانه بإزاره حتى يصيب إزاراً، فقلت: لا، فضرب بيده على فخذه ثم قال: ما هؤلاء باخوة).
ومن الشواهد الأخرى على هذا المسلك المثالي، عن سعيد بن الحسن قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟! فقلت: ما أعرف ذلك فينا، فقال أبو جعفر عليه السلام: فلا شيء إذاً، قلتُ: فالهلاك إذاً، فقال: إنَّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد).
وصفوة المال أنَّ الإيمان يدفع الفرد ابناء المجتمع نحو الإحسان إلى إخوانهم وخدمتهم ومدّ يد العون لهم وذلك من معطياته الإجتماعية الهامة.
أمال الذين كفروا فلعدم إيمانهم بالمنهج الديني في الحياة فإنهم يبخلون، وفوق ذلك يأمرون الناس بالبخل ! وقد نقل القرآن الكريم محاورة قيمة بين المؤمنين والكافرين، اوجزتها آية واحدة ببلاغة فريدة: (وإذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلالٍ مبين).
قضاء الحوائج ________________________________6
ومن روائع القرآن تصويره البديع للسان حال الكافرين إذ يقولون في اليوم الآخر بعد أن يسألهم المؤمنون: (ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين).
هكذا يدفع الفرد نحو البخل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقال للكافر يوم القيامة، لو كان لك ملأ الأرض ذهباً أكنت تفتدي به فيقول: نعم، فيقال له: كذبت قد سئلت ما هو أهون عليك من هذا فأبيت)
ثانياً: تغيير الروابط الاجتماعية:-
بينما يدفع بأبناء المجتمع نحو هاوية العصبية المقيتة ويركز على روابط الدم والرحم ومظاهر اللون والمكان وما إلى ذلك من روابط جاهلية، كما قال تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية).
وهكذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد ركز في عمله التبليغي على إزالة غيوم العصبية السوداء، وعمل جاهداً على إزالة الرواسب الجاهلية من نفوس أصحابه والمحيطين به، ومن الشواهد الدالة على هذه الحالة، أنّ الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي رفعه الإيمان من أسفل القاع الاجتماعي إلى القمة، فبعد أن كان عبداً فارسياً أصبح حراً ومن أهل التعظيم والإكرام الأمر الذي أثار حفيظة بعض الأصحاب كعمر بن الخطاب الذي لم تغادر العصبية - يومئذ - قاع وعيه ولم تنفك رواسبها
قضاء الحوائج ________________________________7
والحمد لله رب العالمين...والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين