أحد مظاهر الحج المألوفة هي أن ترى البعض عند الجمرات يخلع حذائه ويقذف به الشاهد
الذي يمثل الشيطان في مخيلة الكثيرين. وعادة ما تسمع ألفاظ الشتائم تكال من البسطاء
للشيطان في ذلك الموقف وهم يرشقون الشاهد بأحذيتهم .. وقد من الله تعالى علي أن كنت
هناك في الجمرات منذ أيام ورأيت هذا كثيراً .. ومن الله تعالى علي بالأمس أيضاً لأرى
نفس المشهد يتكرر في العراق .. رجم آخر لإبليس آخر ضاق به العرب والمسلمون، بل
وكل البشرية حتى الغربيين أنفسهم .. قام صحفي شاب بتقديم رسالة الوداع نيابة عن الأمة
بأكملها لأحقر رئيس أمريكي عرفته الولايات المتحدة. الرسالة كانت معبرة ومختصرة وواضحة.
إنه أحد أبالسة الإنس ولا يستحق منا إلا الرجم بالأحذية كما فعل الصحفي “منتظر الزبيدي”.
واللافت للنظر أن جورج بوش عندما انحنى ليتفادى الحذاء .. ظهرت خلفه مباشرة
عبارة “الله أكبر” على العلم العراقي، وكأنها تأكيد على أن استحقاق هذا الإبليس للرشق
بالأحذية العربية والمسلمة.
كان منظر رئيس الوزراء العراقي وهو يحاول أن يضع يده لتتلقى الحذاء الثاني وهو في طريقه
إلى وجه جورج بوش مضحكاً. ألهذه الدرجة نحب من يحتلون بلادنا؟ وكانت ابتسامة الهزيمة
ساطعة على وجه جورج بوش الذي لم تتخيل أجهزته الأمنية أن الأحذية يمكن أن تستخدم وسائل للتعبير
عن الرأي بين الإعلاميين .. وأظن أن الأجهزة الأمنية ستصر من الآن أن يكون الصحفيين العرب
في المؤتمرات الصحفية القادمة للرئيس الأمريكي من الحفاة .. وستمنع الأحذية من المشاركة في
المؤتمرات الصحفية القادمة للرئيس الأمريكي للأسف الشديد.
إبليس يرجم للتعبير عن الكراهية الشديدة له، وعن حرص المسلمين على أن تكون العلاقة بينهم وبينه
شديدة الوضوح وشديدة الكراهية أيضاًَ. كم تمنيت أن تكون علاقتنا بهذا الرجل الأمريكي الذي احتل
بلاد المسلمين وأراق دماء مئات الألاف من الأبرياء وسجن المئات ونهب الكثير من خيرات أمتنا بمثل
هذه الدرجة من الوضوح كما حدث بالأمس في المؤتمر الصحفي بالعراق. صحيفة الواشنطن بوست
الأمريكية علقت على الحدث قائلة: “إنها قبلة الوداع من شعب العراق”.
الجميل أن جميع وسائل الإعلام العربية حتى الرسمية منها نشرت الصور والخبر فور وقوعه، وكأن الجميع
اتحد في الإعلان والترويج لهذا الموقف العربي والمسلم من هذا الشيطان. بل إن موقع قناة التلفزيون
الرسمية المصرية نقل ما يلي في تعليقه على الخبر: “تناقل الصحافيون الفلسطينيون صباح الاثنين رسائل
فكاهية عبر الهواتف النقالة تتناول الحادث الذي رشق خلاله صحافي عراقي الرئيس الأميركي جورج بوش
بحذائه في بغداد. وجاء في إحدى الرسائل التي أرسلت عبر الهاتف النقال “الرئيس بوش يطلب من الرئيس
عباس والصحافيين المرافقين له الحضور إلى البيت الأبيض يوم الجمعة بدون أحذية”. ومن بين هذه
الرسائل واحدة تقول “مرسوم رئاسي يلزم الصحافيين خلع أحذيتهم قبل الدخول لتغطية اللقاءات الرسمية”.
وجاء في رسالة أخرى ان “الأجهزة الامنية تداهم مصانع الأحذية بالخليل (في الضفة الغربية) بعد اكتشاف
مخزن للأحذية في نقابة الصحافيين، ونقيب الصحفيين ينفي علاقة النقابة بالمخزن” بينما أعلنت أخرى “اعتقال
صحفي بعد ضبط كمية من الأحذية مقاس 44 كان يحاول تهريبها إلى رام الله”.
قد يعترض البعض على هذا الأسلوب في التعبير عن مواقفنا، وقد يصفه بأنه أسلوب غير حضاري [!]
وقد يكون ذلك صحيحاً بعض الشيء، ولكن هل ما فعله هذا الرجل بأمتنا حضاري أو يتسم بأدنى معايير
الإنسانية .. صحيح أننا لا يجب أن ننحى إلى هذه الأساليب في كثير من الأحيان، ولكنها في بعض المواقف
ون ضرورية ومعبرة وتختصر في لحظة واحدة معاناة وآلام ومواقف أمة كاملة.
من أجل ذلك أسعد الكثير في العالم ما حدث، واعتبرته معظم صحف العالم أنه موقف شجاع ومعبر أيضاً.
فتحت عنوان: “النعل والشتائم تنهال على بوش”، أشارت صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن مثل هذا العمل
حافل بالرمزية خاصة أن قذف الحذاء في وجه الشخص يعتبر في الثقافة العربية إهانة خطيرة، بل إن مجرد رفع
النعل في وجه الشخص يعد تعبيرا عن الازدراء، وبدورها أكدت صحيفة واشنطن بوست ما ذهبت إليه الصحيفة
البريطانية قائلة إن قذف الشخص بالحذاء هو أسوأ إهانة يمكن لعراقي أن يوجهها لشخص ما، مشيرة إلى أنها تدل
على أقصى أنواع الاحتقار والازدراء. وهذا فعلاً صحيح، وهذه هي المشاعر الحقيقية التي تحملها الأمة العربية
والمسلمة لهذا الإنسان الشيطان.
صحيح أن الدعوة والحوار الحضاري وتقريب الناس من مواقفنا يحتاج إلى الحكمة وإلى الذكاء، ولكن الحكمة في
تعريفها الصحيح هي “وضع الشيء في موضعه”، وأخبرنا خير خلق الله صلى الله عليه وسلم أن أوثق عرى الإيمان
ليس فقط “الحب في الله” بل هو أيضاً .. “البغض في الله” .. ولم يفعل “منتظر الزبيدي” إلا أنه
قد عبر عن مشاعر “البغض في الله” التي يحملها مئات الملايين من المسلمين لهذا الشيطان الذي سيدخل التاريخ
كوصمة عار على جبين الحضارة الغربية بالعموم، والشعب الأمريكي على وجه الخصوص.
د. باسم خفاجي: مدير المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب، ICAWS، وباحث مهتم بالسياسات الدولية
والعلاقة مع الغرب.